الأربعاء، 10 يوليو 2013



لماذا شرع الصيام ؟



* الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وبعد ..
- فلله في شرعه أسرار ، وله في أحكامه حكم، وله في خلقه مقاصد ، فمن هذه الأسرار والحكم والمقاصد ما تدركها العقول، ومنها ما تقف عندها ، وقد أخبر سبحانه عن بعض حكم الصيام فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ البقرة:183. إذن فالصوم طريق لتقوى الله عز وجل ، والصائم اقرب الناس إلى مولاه جلت قدرته ، جاع بطن الصائم فصفا قلبه ، وظمأت كبد الصائم فدمعت عيناه ، وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فانه لو وجاء رواه الجماعة.
* الصوم يضيق مجاري الطعام والدم ، وهي مجاري الشيطان ، فتقل وسوسته.
الصوم يضعف الشهوة وخطرات السوء وواردات المعصية فتشرق الروح.
الصوم يذكر الصائم بإخوانه الصائمين من الجائعين المحتاجين والفقراء والمساكين ، فيرحمهم ويعطف عليهم ويمد يده بالعون إليهم.
يـا صـائما ترك الطعام تعففا      أضحى رفيق الجوع واللواء
أبــشـر بـعـيدك فــي الـقـيامة      رحمة محفوفة بالبر والأنداء
الصوم مدرسة لتربية النفس ، وتزكية القلب ، وغض البصر ، وحفظ الجوارح.
الصوم سر بين العبد وبين المعبود سبحانه ، ففي الصحيح أن الله عز وجل قال: ( كل عمل ابن آدم فانه لي وأنا أجزي به ) رواه البخاري ومسلم. لان الصوم لا يطلع عليه إلا الله تعالى بخلاف الصلاة والزكاة والحج.
عرف السلف الصالح الصيام قربة لله عز وجل ، ومضمارا للسباق وموسما للخيرات، فبكوا فرحا لاستقباله ، وبكوا حزنا عند فراقه.
عرف السلف الصيام فأحبوا رمضان واجتهدوا في رمضان ، وبذلوا نفوسهم في رمضان ، فجعلوا من لياليه قياما وركوعا وسجودا ودموعا وخشوعا ، وجعلوا من نهاره ذكرا وتلاوة وتعليما ودعوة ونصحا.
- عرف السلف الصيام قرة عين وراحة نفس ، وانشراح صدر ، فربوا أرواحهم بمقاصده ، وزكوا قلوبهم بتعاليمه ، وهذبوا نفوسهم بحكمه.

كان السلف كما صح عنهم يجلسون بمصاحفهم في المساجد ، يتلون ويبكون ، ويحفظون ألسنتهم وأعينهم عن الحرام.
الصيام يا صائمون وحدة للمسلمين ، يصومون في زمن ويفطرون في زمن ، جاعوا معا ، وأكلوا معا ، ألفة وإخاء ، وحب ووفاء.
الصيام يا صائمون كفارة للخطايا ومذهب للسيئات ، صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ( الجمعة إلى الجمعة ، والعمرة إلى العمرة ، ورمضان إلى رمضان ، كفارات لما بينهما ما لم تؤت كبيرة ) رواه مسلم.
والصيام يا صائمون صحة للنفس ، لأنه يستفرغ المواد الفاسدة، ويريح المعدة ويصفي الدم ويطلق عمل القلب ، فتشرق به الروح ، وتصفو به النفس ، وتهذب به الأخلاق.

إذا صام الصائم ذلت نفسه ، وانكسر قلبه وخفت مطامعه ، وذهبت شهواته ، لذلك تكون دعوته مستجابة لقربه من الله عز وجل.
في الصيام سر عظيم ، وهو امتثال عبودية لله عز وجل ، والإذعان لأمره والتسليم لشرعه ، وترك شهوة الطعام والشراب والجماع لمرضاته.
والصيام انتصار للمسلم على هواه ، وتفوق للمؤمن على نفسه ، فهو نصف الصبر ، ومن لم يستطع الصيام بلا عذر فلن يقهر نفسه ولن يغلب هواه.
والصيام تجربة هائلة للنفس ، لتكون على استعداد تام لتحمل المشاق والقيام بالمهام الجسام من جهاد وبذل وتضحية وإقدام.
- وذلك لما أراد طالوت أن يقاتل أعداءه ابتلى الله قوم طالوت بنهر. وقال لهم طالوت: ﴿ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ﴾ البقرة: من الآية249.
- فنجح أهل الصبر وفاز منهم من غلب هواه ، وتخلف عن الجهاد عبدة الشهوات المقهورون تحت سلطان طبائعهم.

* ولعل بعض حكم الصوم تتلخص في أنه تقوى لله عز وجل ، وامتثال لأمره وقهر للهوى، انتصار على النفس ، وتهيئة للمسلم في مواقف التضحية وضبط للجوارح ، وكبح للشهوات ، وصحة للجسم ، ومكفر للسيئات ، وألفة وإخاء ، وشعور بجوع الجائعين ، وحاجة المحتاجين، والله أعلم.

وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق