الاثنين، 24 فبراير 2014



[أقسام الناس في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]
فتدبر هذا، فإن هذا مقام خطر، فإن الناس هنا ثلاثة أقسام:
قسم يأمرون وينهون ويقاتلون، طلبا لإزالة الفتنة التي زعموا، ويكون فعلهم ذلك أعظم فتنة، كالمقتتلين في الفتنة الواقعة بين الأمة.
وأقوام ينكلون عن الأمر والنهي والقتال الذي يكون به الدين كله لله وتكون كلمة الله هي العليا، لئلا يفتنوا، وهم قد سقطوا في الفتنة، وهذه الفتنة المذكورة في " سورة براءة " دخل فيها الافتتان بالصور الجميلة، فإنها سبب نزول الآية، وهذه حال كثير من المتدينين، يتركون ما يجب عليهم من أمر ونهي وجهاد يكون به الدين كله لله وتكون كلمة الله هي العليا، لئلا يفتنوا بجنس الشهوات، وهم قد وقعوا في الفتنة التي هي أعظم مما زعموا أنهم فروا منه، وإنما الواجب عليهم القيام بالواجب وترك المحظور، وهما متلازمان، وإنما تركوا ذلك لكون نفوسهم لا تطاوعهم إلا على فعلهما جميعا أو تركهما جميعا: مثل كثير ممن يحب الرئاسة أو المال وشهوات الغي، فإنه إذا فعل ما وجب عليه من أمر ونهي وجهاد وإمارة ذلك فلا بد أن يفعل شيئا من المحظورات.
فالواجب عليه أن ينظر أغلب الأمرين. فإن كان المأمور أعظم أجرا من ترك ذلك المحظور لم يترك ذلك لما يخاف أن يقترن به ما هو دونه في المفسدة، وإن كان ترك المحظور أعظم أجرا لم يفوت ذلك برجاء ثواب بفعل واجب يكون دون ذلك، فذلك يكون بما يجتمع له من الأمرين من الحسنات والسيئات، فهذا هذا، وتفصيل ذلك يطول.
وكل بشر على وجه الأرض فلا بد له من أمر ونهي، ولا بد أن يأمر وينهى، حتى لو أنه وحده لكان يأمر نفسه وينهاها، إما بمعروف وإما بمنكر، كما قال تعالى: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف: 53] (سورة يوسف: من الآية 53) . فإن الأمر هو طلب الفعل وإرادته، والنهي طلب الترك وإرادته، ولا بد لكل حي من إرادة وطلب في نفسه يقتضي بهما فعل نفسه، ويقتضي بهما فعل غيره إذا أمكن ذلك، فإن الإنسان حي يتحرك بإرادته، وبنو آدم لا يعيشون إلا باجتماع بعضهم مع بعض،وإذا اجتمع اثنان فصاعدا فلا بد أن يكون بينهما ائتمار بأمر وتناه عن أمر، ولهذا كان أقل الجماعة في الصلاة اثنين، كما قيل: الاثنان فما فوقهما جماعة، لكن لما كان ذلك اشتراكا في مجرد الصلاة حصل باثنين أحدهما إمام والآخر مأموم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، لمالك بن الحويرث وصاحبه: «إذا حضرت الصلاة فأذنا وأقيما، وليؤمكما أكبركما» وكانا متقاربين في القراءة.
وأما الأمور العادية ففي السنن أنه صلى الله عليه وسلم، قال: «لا يحل لثلاثة يكونون في سفر إلا أمروا عليهم أحدهم»
وإذا كان الأمر والنهي من لوازم وجود بني آدم، فمن لم يأمر بالمعروف الذي أمر الله به ورسوله وينه عن المنكر الذي نهى الله عنه ورسوله، ويؤمر بالمعروف الذي أمر الله به ورسوله، وينه عن المنكر الذي نهى الله عنه ورسوله، وإلا فلا بد أن يأمر وينهى، ويؤمر وينهى، إما بما يضاد ذلك، وإما بما يشترك فيه الحق الذي أنزل الله بالباطل الذي لم ينزله الله. وإذا اتخذ ذلك دينا، كان دينا مبتدعا. وهذا كما أن كل بشر فإنه متحرك بإرادته همام حارث، فمن لم تكن نيته صالحة وعمله عملا صالحا لوجه الله وإلا كان عملا فاسدا أو لغير وجه الله، وهو الباطل، كما قال تعالى: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل: 4] (سورة الليل: آية 4) .
وهذه الأعمال كلها باطلة، من جنس أعمال الكفار: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 1] (سورة محمد: آية 1) . وقال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [النور: 39] (سورة النور: آية 39) .وقال: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23] (سورة الفرقان: آية 23) .
وقد أمر الله في كتابه بطاعته وطاعة رسوله وطاعة أولي الأمر من المؤمنين، كما قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59] (سورة النساء: آية 59) 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق